رحيل النور: قصة وداع أعظم البشر

رئيس التحرير
محمد فاضل الخفاجي :-
في عامٍ من الأعوام التي شهدت اكتمال الدين وتمام النعمة، وقف النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم على جبل عرفات، ليُلقي خطبةً لم تكن مجرد كلمات عابرة، بل كانت وصايا خالدة ودروسًا للأجيال القادمة. كانت تلك هي حجة الوداع، التي لم تكن وداعًا للمناسك فحسب، بل كانت إيذانًا بقرب رحيله عن هذه الدنيا، بعد أن أدى الأمانة وبلغ الرسالة.
في تلك الخطبة الجامعة، أرسى النبي قواعد العدالة والمساواة، مؤكدًا أن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. كانت كلماته كالبلسم، تُعالج جراح الجاهلية وتؤسس لمجتمع يقوم على الأخوة والإنسانية. لكن الحدث الأبرز الذي ميّز هذه الحجة، كان لحظة إعلانٍ تاريخيٍ لمستقبل الأمة.
فبعد انتهاء حجة الوداع، وعند غدير خُمّ، وقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليقول كلماتٍ تردد صداها في التاريخ: “من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه”. كانت هذه الكلمات بمثابة تتويجٍ لمسيرة علي بن أبي طالب، وإشارةً إلى مكانته العظيمة في قلب النبي، ودوره المحوري في قيادة الأمة من بعده. لم يكن هذا القول مجرد تفضيل شخصي، بل كان تأكيدًا على أن خلافة الإسلام ليست منصبًا دنيويًا، بل هي أمانة عظيمة تتطلب القرب من الله والتمسك بالحق.
كانت هذه الخطوة الأخيرة في مسيرة النبي، إعلانًا صريحًا عن اكتمال الرسالة ووضعها في أيادٍ أمينة. فبعد أن بلغ الرسالة وأكمل الدين، غادر النبي هذه الحياة بقلبٍ مطمئن، تاركًا خلفه أمةً قوية ومبادئ راسخة. لقد رحل النور عن الدنيا، لكن شعلة الرسالة بقيت متقدة، لأنها لم تُسلم لغير يدٍ أمينة، ولأنها قامت على أساسٍ متين من العدل والحب.
وهكذا، لم يكن رحيل النبي نهايةً، بل كان تجديدًا لعهد الأمة مع رسالتها، وعهدًا بالولاء لمن اختاره الله ورسوله ليحمل الراية من بعده. فسلامٌ عليه يوم وُلد، ويوم رحل، ويوم يُبعث حيًا.
ظهرت المقالة رحيل النور: قصة وداع أعظم البشر أولاً على ارض اشور.